وزارة الخارجية الأميركية
خطاب
وزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن
جامعة جورج واشنطن، واشنطن العاصمة
26 أيار/مايو 2022
الوزير بلينكن: شكرًا. صباح الخير.
يسعدني حقًا أن أتواجد هنا في جامعة جورج واشنطن. هذه مؤسسة تجذب الطلاب والباحثين المتميزين من مختلف أنحاء العالم حيث تجري فيها دراسة ومناقشة التحديات الأكثر إلحاحا التي نواجهها كدولة وككوكب، لذا أشكركم على استضافتنا هنا اليوم.
وأود أن أتوجه بشكر خاص لأصدقائنا في جمعية آسيا التي تهدف إلى إقامة علاقات أوثق مع الدول والشعوب الآسيوية بغرض تعزيز السلام والازدهار، والحرية، والمساواة، والاستدامة. شكرا على استضافتنا اليوم وعلى دوركم القيادي كل يوم. كيفن رود وويندي كاتلر وداني راسل وكافة الزملاء، ورغم أنكم قادة فإنكم أيضًا فاعلين ويسعدني دائمًا التواجد معكم.
يجب علي أن أقول أيضًا إنني ممتن حقًا للسيناتور رومني على وجودك هنا اليوم -رجل، وقائد وأنا معجب به جدًا، رجل ذو مبدأ عظيم، ويؤدي دورًا قياديًا في الموضوع الذي سنتحدث عنه اليوم. شكرا يا سيناتور على حضورك اليوم.
يسعدني أيضًا أن أرى العديد من أعضاء السلك الدبلوماسي هنا اليوم، إذ تمثل الدبلوماسية الأداة التي لا غنى عنها لتشكيل مستقبلنا المشترك.
خلال العامين الماضيين اجتمعنا معا لمكافحة وباء كوفيد-19 والاستعداد لحالات الطوارئ الصحية العالمية المستقبلية، وإعادة البناء إثر الصدمات الاقتصادية، بدءا من اضطرابات سلاسل التوريد وصولا إلى أزمات الديون، ومواجهة تغير المناخ وإعادة تصور مستقبل الطاقة بطريقة أنظف وأكثر أمانا وبأسعار معقولة بدرجة أكبر.
يتمثل القاسم المشترك بين هذه الجهود في الحقيقة البسيطة وهي أنه لا يمكن أن يواجه أحد منا هذه التحديات بمفرده، إنما يجب علينا أن نواجهها معًا.
هذا ما دفعنا إلى إعادة اعتماد الدبلوماسية إلى مركز السياسة الخارجية الأميركية بغية مساعدتنا على تحقيق المستقبل الذي يسعى إليه الأميركيون والشعوب في مختلف أنحاء العالم – مستقبل تُستخدم فيه التكنولوجيا لدفع الناس قدما وليس لقمعهم. مستقبل تُستخدم فيه التجارة والتبادل التجاري في دعم العمال وزيادة الدخول، وخلق الفرص؛ مستقبل تحترم فيه حقوق الإنسان العالمية وتكون الدول في مأمن من الإكراه والعدوان ويتحرك فيه الناس والأفكار والبضائع ورؤوس الأموال بحرية وتستطيع الدول شق مساراتها الخاصة والعمل معا بشكل فعال بشأن القضايا المشتركة.
ومن أجل بناء هذا المستقبل، يجب أن ندافع عن النظام الدولي القائم على القواعد وإصلاحه- نظام القوانين والاتفاقيات والمبادئ والمؤسسات التي اجتمع العالم لبنائها بعد حربين عالميتين بغرض إدارة العلاقات بين الدول ومنع الصراعات ودعم حقوق الشعوب كافة.
تتضمن وثائق تأسيس هذا النظام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اللذين كرسا مفاهيم مثل تقرير المصير والسيادة والتسوية السلمية للنزاعات. ليست هذه بمنشآت غربية، بل هي انعكاسات لتطلعات العالم المشتركة.
وفي العقود التي تلت ذلك، تجنبت دول العالم حربا عالمية أخرى ونزاعا مسلحا بين القوى النووية على الرغم من التحديات الهائلة والفجوة بين مثلنا العليا وبعض النتائج التي حققناها. لقد بنينا اقتصادا عالميا انتشل مليارات البشر من براثن الفقر وطورنا حقوق الإنسان بشكل لم يسبق له مثيل.
والآن، فيما نتطلع نحو المستقبل، فإننا لا نريد أن نكتفي بالحفاظ على النظام الدولي الذي مكن قدرا كبيرا من هذا التقدم، بل نريد تحديثه والتأكد من أنه يمثل مصالح كافة الدول والمناطق وقيمها وآمالها، صغيرة كانت أو كبيرة. علاوة على ذلك، نريد أن نتأكد من أنها قادرة على مجابهة التحديات التي نواجهها الآن وسوف نواجهها في المستقبل، وكثير منها يتجاوز ما كان يتخيله العالم قبل سبعة عقود.
ولكن هذه النتيجة غير مضمونة لأن أسس النظام الدولي تتعرض لتحد خطير ومستمر.
يشكل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديدا واضحا وقائما، فعندما هاجم أوكرانيا قبل ثلاثة أشهر، فإنه هاجم أيضًا مبادئ السيادة وسلامة الأراضي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والرامية إلى حماية كافة البلدان من الغزو أو الإكراه. وهذا ما دفع العديد من الدول إلى التوحد لمعارضة هذا العدوان لأنها تعتبره هجوما مباشرا على أساس سلامها وأمنها.
تقاتل أوكرانيا ببسالة للدفاع عن شعبها واستقلالها بمساعدة غير مسبوقة من الولايات المتحدة ودول أخرى من مختلف أنحاء العالم. وبينما لم تنته الحرب، فإن الرئيس بوتين قد فشل في تحقيق أي هدف من أهدافه الاستراتيجية. لقد عزز استقلال أوكرانيا بدلا من إلغائه، ووحد حلف شمال الأطلسي (ناتو) بدلا من تقسيمه، وقوض قوة روسيا بدلا من تقويتها، وجمع الدول للدفاع عن النظام الدولي بدلا من إضعافه.
وحتى مع استمرار حرب الرئيس بوتين، سنواصل التركيز على أخطر تحد طويل الأمد يواجه النظام الدولي، وهو التحدي الذي تمثله جمهورية الصين الشعبية.
الصين هي الدولة الوحيدة التي تنوي إعادة تشكيل النظام الدولي، وتلجأ بشكل متزايد إلى القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق ذلك. ستبعدنا الرؤية التي تسعى إليها بكين عن القيم العالمية التي حافظت على قدر كبير من تقدم العالم على مدار الـ75 عاما الماضية.
تعد الصين أيضا جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي وقدرتنا على حل التحديات، بدءا من المناخ وصولا إلى كوفيد-19. بكل بساطة، يتعين على الولايات المتحدة والصين التعامل فيما بينهما في المستقبل المنظور.
هذا ما يجعل هذه العلاقة من أكثر العلاقات تعقيدا وتأثيرا في العالم اليوم.
خلال العام الماضي، طورت إدارة بايدن ونفذت استراتيجية شاملة لتسخير نقاط قوتنا الوطنية وشبكة علاقاتنا التي لا مثيل لها من الحلفاء والشركاء لتحقيق المستقبل الذي نسعى إليه.
نحن لا نسعى إلى صراع أو حرب باردة جديدة، بل على العكس من ذلك، نحن مصممون على تجنب كليهما.
نحن لا نسعى إلى منع الصين من لعب دورها كقوة كبرى ولا لمنعها أو منع أي دولة أخرى من تنمية اقتصادها أو النهوض بمصالح شعوبها.
ولكننا سنعزز وندافع عن القانون الدولي والاتفاقيات والمبادئ والمؤسسات التي تحافظ على السلام والأمن وتحمي حقوق الأفراد والدول ذات السيادة، وتتيح لكافة البلدان التعايش والتعاون، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين.
الصين اليوم مختلفة كثيرا عما كانت عليه قبل 50 عاما عندما قطع الرئيس نيكسون عقودا من العلاقات المتوترة ليصبح أول رئيس أميركي يزور الصين.
آنذاك كانت الصين منعزلة تكافح انتشار الفقر والجوع.
باتت الصين اليوم قوة عالمية ذات نفوذ وتأثير وطموح غير عادي، وهي ثاني أكبر اقتصاد وتضم مدنا عالمية المستوى وشبكات نقل عام. إنها موطن بعض من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم وتسعى للسيطرة على تقنيات وصناعات المستقبل. لقد حدثت جيشها بسرعة وتعتزم أن تصبح قوة قتالية من الدرجة الأولى وذات امتداد عالمي، وقد أعلنت عن طموحها في إنشاء مجال نفوذ في المحيطين الهندي والهادئ والتحول إلى القوة الرائدة في العالم.
بلغت الصين هذه المرحلة بفضل مواهب الشعب الصيني وبراعته وعمله الجاد، وكذلك بفضل الاستقرار والفرص التي يوفرها النظام الدولي. ويمكن القول إن أي بلد على وجه الأرض لم يستفد أكثر مما استفادت الصين.
ولكن بدلا من استخدام سلطتها لتعزيز القوانين والاتفاقيات والمبادئ والمؤسسات التي مكنتها من النجاح وتنشيطها حتى تستفيد منها الدول الأخرى أيضا، تعمل بكين على تقويضها. وأصبح الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في عهد الرئيس تشي أكثر قمعية في الداخل وأكثر عدوانية في الخارج.
إننا نرى ذلك في كيفية إتقان بكين للمراقبة الجماعية داخل الصين وتصديرها لهذه التكنولوجيا إلى أكثر من 80 دولة؛ وكيف تدفع بمطالباتها البحرية غير القانونية في بحر الصين الجنوبي، مما يقوض السلام والأمن وحرية الملاحة والتجارة؛ وكيفية التحايل على قواعد التجارة أو خرقها، وإلحاق الضرر بالعمال والشركات في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم؛ وكيفية ادعاء الدفاع عن السيادة والسلامة الإقليمية بينما تقف مع الحكومات التي تنتهكهما بوقاحة.
حتى عندما كانت روسيا تحشد قواتها بشكل واضح لغزو أوكرانيا، أعلن الرئيس تشي والرئيس بوتين أن الصداقة بين بلديهما – وأنا أقتبس هذه العبارة- “بلا حدود”. وبينما كان الرئيس بايدن يزور اليابان هذا الأسبوع، أجرت الصين وروسيا دورية استراتيجية حدودية في المنطقة.
إن دفاع بكين عن حرب الرئيس بوتين الرامية إلى محو سيادة أوكرانيا وتأمين مجال نفوذ في أوروبا يجب أن يدق جرس الإنذار لكافة من يعتبرون منطقة المحيطين الهندي والهادئ موطنا لهم.
ولهذه الأسباب وغيرها فإن هذه لحظة مشحونة بالنسبة للعالم. وفي مثل هذه الأوقات، تكون الدبلوماسية أمرا حيويا. هكذا نوضح مخاوفنا العميقة ونفهم وجهات نظر بعضنا البعض الآخر بشكل أفضل ولا يساورنا شك في النوايا. نحن على استعداد لزيادة اتصالاتنا المباشرة مع بكين بشأن مجموعة كاملة من القضايا ونأمل أن يتحقق ذلك.
ولكن لا يمكننا الاعتماد على أن بكين ستغير مسارها، لذلك سنشكل بيئة استراتيجية حولها تعزز رؤيتنا لنظام دولي مفتوح وشامل.
يعتقد الرئيس بايدن أن هذا العقد سيكون حاسما، وستحدد الإجراءات التي نتخذها في الداخل ومع البلدان في مختلف أنحاء العالم إمكانية تحقيق رؤيتنا المشتركة للمستقبل أم لا.
يمكن تلخيص استراتيجية إدارة بايدن في ثلاث كلمات لتحقيق النجاح في هذا العقد الحاسم، ألا وهي “الاستثمار والتوافق والتنافس”.
سنستثمر في أسس قوتنا هنا في الوطن، أي قدرتنا التنافسية وابتكارنا وديمقراطيتنا.
سنعمل على تنسيق جهودنا مع شبكة الحلفاء والشركاء الخاصة بنا للعمل من أجل هدف مشترك ولصالح مشترك.
ومن خلال تسخير هذين الأمرين الرئيسيين، سننافس الصين للدفاع عن مصالحنا وبناء رؤيتنا للمستقبل.
نحن نتعامل مع هذا التحدي بثقة. تتمتع بلادنا بالعديد من نقاط القوة. لدينا جيران مسالمون، وسكان متنوعون ومتزايدون، وموارد وفيرة، واحتياطي العالم من العملة، وأقوى جيش على وجه الأرض، وثقافة مزدهرة من الابتكار وريادة الأعمال أنتجت على سبيل المثال لقاحات فعالة متعددة الآن تحمي الناس في مختلف أنحاء العالم من كوفيد-19.
ومجتمعنا المفتوح، في أفضل حالاته، بجذب تدفقات المواهب والاستثمار ويتمتع بقدرة اختبار الزمن لإعادة الابتكار وهي قدرة متجذرة في ديمقراطيتنا وتمكننا من مجابهة أي تحديات نواجهها.
سنتحدث أولا عن الاستثمار في قوتنا.
بعد الحرب العالمية الثانية وبينما كنا نحن وشركاؤنا نبني النظام القائم على القواعد، كانت حكومتنا الفيدرالية تقوم أيضا باستثمارات استراتيجية في البحث العلمي والتعليم والبنية التحتية والقوى العاملة لدينا وتخلق الملايين من الوظائف للطبقة الوسطى وعقودا من الازدهار وريادة التكنولوجيا. ولكننا اعتبرنا تلك الأسس أمرا مسلمًا به، لذا حان الوقت للعودة إلى الأساسيات.
تقوم إدارة بايدن باستثمارات بعيدة المدى في المصادر الأساسية لقوتنا الوطنية، بدءا من استراتيجية صناعية حديثة للحفاظ على تأثيرنا الاقتصادي والتكنولوجي وتوسيعه وجعل اقتصادنا وسلاسل التوريد لدينا أكثر مرونة وشحذ ميزتنا التنافسية.
في العام الماضي، وقع الرئيس بايدن على أكبر استثمار للبنية التحتية في تاريخنا ليصبح قانونا بغرض تحديث طرقنا السريعة وموانئنا ومطاراتنا والسكك الحديدية والجسور لنقل البضائع إلى السوق بشكل أسرع وزيادة إنتاجيتنا وتوسيع شبكة الإنترنت عالي السرعة لتغطي كافة بقاع الدولة وجذب المزيد من الأعمال والوظائف إلى أجزاء أكبر من الولايات المتحدة.
نحن نقوم باستثمارات استراتيجية في التعليم وتدريب العمال حتى يتمكن العمال الأميركيون – وهم الأفضل في العالم – من تصميم تقنيات المستقبل وبنائها وتشغيلها.
ولأن استراتيجيتنا الصناعية تركز على التكنولوجيا، فإننا نريد الاستثمار في البحث والتطوير والتصنيع المتقدم. أنفقت حكومتنا قبل ستين عاما أكثر من ضعف ما أنفقته على الأبحاث كنسبة مئوية من اقتصادنا مقارنة بما نقوم به اليوم، وقد أدت هذه الاستثمارات بدورها إلى تحفيز الابتكار في القطاع الخاص. هكذا انتصرنا في سباق الفضاء واخترعنا أشباه الموصلات وصنعنا الإنترنت. واعتدنا على احتلال المرتبة الأولى في العالم في مجال البحث والتطوير كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، ولكننا الآن في المرتبة التاسعة. وفي الوقت عينه، تقدمت الصين من المركز الثامن إلى الثاني.
وبدعم من الحزبين في الكونغرس، سنعكس هذه الاتجاهات ونقوم باستثمارات تاريخية في البحث والابتكار، بما في ذلك مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والحوسبة الكمومية. هذه هي المجالات التي عقدت بكين العزم على قيادتها، ولكن بالنظر إلى مزايا الولايات المتحدة، لن نخسر هذه المنافسة، ليس من حيث تطوير تقنيات جديدة فحسب، بل أيضا لناحية تشكيل كيفية استخدامها في مختلف أنحاء العالم حتى تكون القيم الديمقراطية وليس السلطوية متجذرة فيها.
أقرت القيادة- السيناتور رومني وآخرون- أقر مجلس النواب ومجلس الشيوخ مشاريع قوانين تدعم هذه الأجندة، بما في ذلك المليارات لإنتاج أشباه الموصلات هنا وتعزيز سلاسل التوريد الهامة الأخرى. ونحن بحاجة الآن إلى أن يرسل الكونغرس التشريع إلى الرئيس للتوقيع عليه.
يمكننا تحقيق ذلك ولا يمكننا الانتظار- تتحرك سلاسل التوريد الآن، وستنشأ في مكان آخر إذا لم ننشئها هنا. وكما قال الرئيس بايدن، فإن الحزب الشيوعي الصيني يضغط ضد هذا التشريع- إذ لا توجد طريقة أفضل لتعزيز مكانتنا وتأثيرنا العالميين من تحقيق التجديد المحلي. لن تجعل هذه الاستثمارات الولايات المتحدة أقوى فحسب، بل ستجعلها أيضا شريكا وحليفا أقوى.
من أقوى المزايا وأكثرها سحرا في الولايات المتحدة هو أننا لطالما كنا وجهة للموهوبين من كافة أصقاع العالم، وينطبق هذا الكلام على ملايين الطلاب من الصين الذين أثروا في مجتمعاتنا وأقاموا روابط مع الأميركيين لمدى الحياة. لقد أصدرنا أكثر من 100 ألف تأشيرة للطلاب الصينيين في خلال أربعة أشهر فحسب في العام الماضي وعلى الرغم من الوباء- وهذا أعلى معدل لدينا على الإطلاق. يسعدنا أنهم اختاروا الدراسة في الولايات المتحدة ونحن محظوظون بوجودهم هنا.
ونحن محظوظون عندما لا تكتفي أفضل المواهب العالمية في الدراسة هنا، بل تبقى هنا، على غرار أكثر من 80 بالمئة من الطلاب الصينيين الذين يسعون للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. إنهم يساعدون في دفع الابتكار هنا في الولايات المتحدة، مما يعود بالفائدة علينا جميعا. نستطيع أن نظل يقظين بشأن أمننا القومي بدون إغلاق أبوابنا.
نعلم أيضا بناء على التاريخ أنه يمكن أن يشعر مواطنو دولة ما أنهم لا ينتمون إلى الولايات المتحدة أو أنهم أعداؤنا عندما ندير علاقة مليئة بالتحديات مع حكومة بلادهم. هذا بعيد عن الحقيقة كل البعد. لقد قدم الأميركيون الصينيون مساهمات لا تقدر بثمن لبلادنا وفعلوا ذلك لأجيال. تتعارض إساءة معاملة شخص من أصل صيني مع كل ما ندافع عنه كدولة، سواء كان مواطنا صينيا يزور الولايات المتحدة أو يعيش هنا أو مواطنا أميركيا صينيا أو أي أميركي آسيوي آخر يحق له بالولايات المتحدة بقدر أي شخص آخر. لا مكان للعنصرية والكراهية في أمة بنتها أجيال من المهاجرين للوفاء بوعد الفرص للجميع.
لدينا خلافات عميقة مع الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية- ولكن هذه الاختلافات بين الحكومات والأنظمة- وليست بين شعوبنا. يكن الشعب الأميركي احتراما كبيرا للشعب الصيني. نحن نحترم إنجازاتهم وتاريخهم وثقافتهم، ونقدر كثيرا روابط الأسرة والصداقة التي تربطنا، ونتمنى بصدق أن تعمل حكومتانا معا بشأن القضايا التي تهم حياتهم وحياة الأميركيين وحياة الناس في مختلف أنحاء العالم.
ثمة مصدر أساسي آخر للقوة الوطنية التي سنعتمد عليها في هذا العقد الحاسم، ألا وهي ديمقراطيتنا.
لو سألنا منذ مئة عام عما يجعل من أمة ما أمة ثرية، لذكرنا مساحة أرضنا وحجم سكاننا وقوة جيشنا ووفرة مواردنا الطبيعية. ولحسن الحظ، ما زلنا أثرياء في كل هذه الصفات. ولكن ثمة ثروة حقيقية للأمة في شعبنا – مواردنا البشرية – وقدرتنا على إطلاق العنان لإمكاناتهم الكاملة أكثر من أي وقت مضى وفي هذا القرن الحادي والعشرين.
نحن نفعل ذلك من أجل نظامنا الديمقراطي. نتناقش ونجادل ونختلف ونتحدى بعضنا البعض، بما في ذلك قادتنا المنتخبين. نتعامل مع نواقصنا علانية ولا نتظاهر بأنها غير موجودة أو نخفيها عن العين. قد يكون ذلك صعبا وقبيحا على الرغم من أن التقدم قد يكون بطيئا بشكل مؤلم، ولكننا بشكل عام نعمل باستمرار نحو مجتمع يمكن أن يزدهر فيه الناس من جميع الخلفيات، مسترشدين بالقيم الوطنية التي توحدنا وتحفزنا وترفعنا.
لسنا ممتازين، ولكننا نسعى دائما في أفضل حالاتنا لنكون اتحادا أكثر كمالا على حد تعبير دستورنا. ديمقراطيتنا مصممة لتحقيق ذلك.
هذا ما يقدمه الشعب الأميركي والنموذج الأميركي، وهو أحد أقوى الأصول في هذه المنافسة.
الآن، تعتبر بكين أن نموذجها هو النموذج الأفضل؛ تعتبر أن النظام المركزي الذي يقوده الحزب هو أكثر كفاءة وأقل فوضوية ومتفوقا في نهاية المطاف على الديمقراطية. إننا لا نسعى إلى تغيير النظام السياسي في الصين، بل تتمثل مهمتنا في أن نثبت مرة أخرى أن الديمقراطية قادرة على مواجهة التحديات الملحة وخلق الفرص وتعزيز الكرامة الإنسانية. المستقبل ملك لمن يؤمنون بالحرية وبأن كل الدول حرة في رسم مساراتها الخاصة بدون إكراه.
يتمثل الجزء الثاني من استراتيجيتنا بالتوافق مع حلفائنا وشركائنا لتعزيز رؤية مشتركة للمستقبل.
منذ اليوم الأول، تعمل إدارة بايدن على إعادة تنشيط شبكة التحالفات والشراكات الأميركية التي لا مثيل لها وإعادة الانخراط في المؤسسات الدولية. نحن نشجع الشركاء على العمل معا ومن خلال المنظمات الإقليمية والعالمية، ونحن نقيم تحالفات جديدة لتقديمها لشعبنا ولمجابهة اختبارات القرن المقبل.
لا ينطبق هذا الكلام على أي منطقة أكثر مما ينطبق على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث علاقاتنا هي من بين الأقوى في العالم، بما في ذلك تحالفاتنا التعاهدية.
تشترك الولايات المتحدة في الرؤية التي تتبناها الدول والشعوب في مختلف أنحاء المنطقة، ألا وهي أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة يتم فيها تطوير القواعد بشفافية وتطبيقها بشكل عادل، وتكون فيها البلدان حرة في اتخاذ قراراتها السيادية، وتتدفق فيها السلع والأفكار والأشخاص بحرية عبر الأرض والسماء والفضاء الإلكتروني والبحار المفتوحة، وتستجيب الحوكمة فيها للناس.
عزز الرئيس بايدن هذه الأولويات هذا الأسبوع من خلال زيارته إلى المنطقة، وأعاد التأكيد على تحالفاتنا الأمنية الحيوية مع كوريا الجنوبية واليابان وعمق تعاوننا الاقتصادي والتكنولوجي مع كلا البلدين.
وأطلق الرئيس الإطار الاقتصادي لازدهار منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ، وهي أول مبادرة من نوعها في المنطقة. وعلى حد تعبير الرئيس، “سيساعد هذا الإطار اقتصادات كافة بلداننا على النمو بشكل أسرع وأكثر عدلا”. يجدد الإطار الاقتصادي القيادة الاقتصادية الأميركية ويكيفها للقرن الحادي والعشرين من خلال معالجة القضايا المتطورة مثل الاقتصاد الرقمي وسلاسل التوريد، والطاقة النظيفة والبنية التحتية والفساد. وقد سبق أن انضمت إليه عشرات الدول، بما في ذلك الهند. ويشكل أعضاء الإطار الاقتصادي معا أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي.
كما شارك الرئيس في قمة الزعماء للمجموعة الرباعية – أستراليا واليابان والهند والولايات المتحدة. لم تجتمع الرباعية على مستوى القادة قبل أن يتولى الرئيس بايدن منصبه، وعقدت أربع قمم منذ عقد الاجتماع الأول للقادة العام الماضي. لقد أصبحت فريقا إقليميا رائدا. أطلقت هذا الأسبوع شراكة جديدة بين المحيطين الهندي والهادئ للتوعية بالمجال البحري حتى يتمكن شركاؤنا في جميع أنحاء المنطقة من مراقبة المياه القريبة من شواطئهم بشكل أفضل للتصدي للصيد غير القانوني وحماية حقوقهم البحرية وسيادتهم.
نحن نعيد تنشيط شراكتنا مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). واستضفنا في وقت سابق من هذا الشهر قمة الولايات المتحدة وآسيان لمناقشة القضايا العاجلة مثل الصحة العامة وأزمة المناخ. وأصبحت سبع دول من رابطة آسيان هذا الأسبوع أعضاء مؤسسين للإطار الاقتصادي. نحن نبني الجسور بين شركائنا في المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا، بما في ذلك من خلال دعوة الحلفاء الآسيويين إلى قمة ناتو في مدريد الشهر المقبل.
نحن نعمل على تعزيز السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما من خلال الشراكة الأمنية الجديدة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على سبيل المثال، والمعروفة باسم شراكة أوكاس.
ونحن نساعد البلدان في المنطقة وحول العالم على هزيمة كوفيد-19. لقد قدمت الولايات المتحدة حتى الآن حوالى 20 مليار دولار للاستجابة العالمية للوباء، بما في ذلك أكثر من 540 مليون جرعة من اللقاحات الآمنة والفعالة التي تم التبرع بها – وليس بيعها – بدون قيود سياسية، ونحن في طريقنا إلى بلوغ 1,2 مليار جرعة في مختلف أنحاء العالم. ونحن ننسق مع مجموعة من 19 دولة ضمن خطة عمل عالمية لتلقيح الناس.
ونتيجة لكل هذه الدبلوماسية، أصبحنا أكثر انسجاما مع الشركاء عبر المحيطين الهندي والهادئ ونعمل بطريقة أكثر تنسيقا لتحقيق أهدافنا المشتركة.
لقد قمنا أيضًا بتعميق تحالفنا عبر المحيط الأطلسي. أطلقنا مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العام الماضي، وحشدنا الوزن الإجمالي لما يقرب من 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وانضممت الأسبوع الماضي إلى الوزير رايموندو والسفير تاي ونظرائنا في المفوضية الأوروبية في اجتماعنا الثاني للعمل على معايير التكنولوجيا الجديدة، والتنسيق بشأن فحص الاستثمار وضوابط التصدير، وتعزيز سلاسل التوريد، وتعزيز التكنولوجيا الخضراء، وتحسين الأمن الغذائي والرقمي لتلبية احتياجات البنية التحتية الهائلة في البلدان النامية.
وقمنا أيضا في غضون ذلك مع شركائنا الأوروبيين بوضع 17 عاما من التقاضي بشأن الطائرات جانبا، وسنقوم الآن بالعمل على تأمين تكافؤ الفرص لشركاتنا والعاملين في هذا القطاع بدلا من المشاجرة.
وبالمثل، عملنا مع الاتحاد الأوروبي وآخرين لحل نزاع بشأن واردات الصلب والألمنيوم ونجتمع معا الآن حول رؤية مشتركة بشأن معايير مناخية أعلى وحماية عمالنا وصناعاتنا من جهود بكين المتعمدة لتشويه السوق.
نحن نتشارك مع الاتحاد الأوروبي لحماية خصوصية مواطنينا مع تعزيز الاقتصاد الرقمي المشترك الذي يعتمد على التدفقات الهائلة من البيانات.
ومع مجموعة العشرين، توصلنا إلى اتفاق تاريخي بشأن الحد الأدنى من الضرائب العالمية لوقف الانهيار والتأكد من أن الشركات الكبرى تدفع ما عليها ومنح البلدان المزيد من الموارد للاستثمار في شعوبها. وقد وقعت أكثر من 130 دولة على الاتفاقية حتى الآن.
نتبع نحن وشركاؤنا في مجموعة السبع نهجا منسقا وعالي المستوى وشفافا لتلبية احتياجات البنية التحتية الهائلة في البلدان النامية.
لقد عقدنا مؤتمرات قمة عالمية حول هزيمة كوفيد-19 وتجديد الديمقراطية العالمية، وعدنا للانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية.
وفي هذه الفترة العصيبة، قمنا وحلفاؤنا بإعادة تنشيط حلف ناتو الذي أصبح اليوم قويا كما دائما.
وتهدف هذه الإجراءات جميعها إلى الدفاع عن النظام القائم على القواعد وإصلاحه بحسب الضرورة، إذ ينبغي أن تستفيد منه كافة الدول. نريد أن نقود السباق نحو القمة في مجالات التكنولوجيا والمناخ والبنية التحتية والصحة العالمية والنمو الاقتصادي الشامل. ونريد تعزيز نظام يمكن أكبر عدد ممكن من البلدان من التعاون بشكل فعال وتسوية الخلافات سلميا ورسم مستقبلها كدول متساوية السيادة.
تقوم دبلوماسيتنا على أساس الشراكة واحترام مصالح بعضنا البعض الآخر. لا نتوقع أن تتشارك كافة الدول بتقييمها الدقيق للصين على غرارنا. نحن نعلم أن العديد من البلدان – بما في ذلك الولايات المتحدة – تتمتع بعلاقات اقتصادية حيوية أو علاقات شعبية مع الصين وتريد الحفاظ عليها. لا يتعلق الأمر بإجبار البلدان على الاختيار، بل يمنحها الخيار، بحيث لا يكون الخيار الوحيد على سبيل المثال هو الاستثمار الغامض غير الشفاف، الذي يترك البلدان مثقلة بالديون ويؤجج الفساد ويلحق الضرر بالبيئة ويفشل في خلق الوظائف أو النمو المحلي ويهدد ممارسة البلدان لأعمالها. وقد سمعنا بشكل مباشر عن ندم المشترين بسبب هذه الصفقات.
نحن نتشاور مع شركائنا في كل خطوة ونستمع إليهم ونأخذ مخاوفهم على محمل الجد، كما نبني الحلول التي تعالج تحدياتهم وأولوياتهم الفريدة.
ثمة تقارب متزايد حول الحاجة إلى التعامل مع العلاقات مع بكين بمزيد من الواقعية. يعرف العديد من شركائنا كيفية رد بكين بشدة عندما يتخذون خيارات لا تحبها. ونذكر مثالًا على ذلك أنه في الربيع الماضي، منعت بكين الطلاب والسائحين الصينيين من السفر إلى أستراليا وفرضت تعريفة بنسبة 80 بالمئة على صادرات الشعير الأسترالي لأن الحكومة الأسترالية دعت إلى تحقيق مستقل في أصل كوفيد-19، أو عندما استخدمت سفن خفر السواحل الصينية خراطيم المياه لوقف إعادة إمداد سفينة تابعة للبحرية الفلبينية في بحر الصين الجنوبي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وتدعم الإجراءات المماثلة كيفية قيام بكين بالانتقام من المعارضة المتصورة.
ثمة مجال آخر للتوافق نتشاركه مع حلفائنا وشركائنا، وهو حقوق الإنسان.
تقف الولايات المتحدة ودول وشعوب العالم قاطبة ضد الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تحدث في منطقة تشينجيانغ، حيث تم وضع أكثر من مليون شخص في معسكرات اعتقال بسبب هويتهم العرقية والدينية.
نقف معا في التبت، حيث تواصل السلطات شن حملة وحشية ضد التبتيين وثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم الدينية، وفي هونغ كونغ، حيث فرض الحزب الشيوعي الصيني إجراءات قاسية مناهضة للديمقراطية تحت ستار الأمن القومي.
والآن، تصر بكين على أن هذه المسائل داخلية بطريقة ما ولا يحق للآخرين طرحها. هذا كلام خاطئ. يتعارض تعامل الصين مع الأقليات العرقية والدينية في تشينجيانغ والتبت، وإلى جانب العديد من الإجراءات الأخرى، مع المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة الذي تستشهد به بكين باستمرار ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي من المفترض أن تلتزم به الدول كافة.
ينتهك سحق بكين للحرية في هونغ كونغ التزاماتها المتعلقة بتسليم هونغ كونغ والمنصوص عليه في معاهدة أودعت لدى الأمم المتحدة.
سنستمر في إثارة هذه القضايا والدعوة إلى التغيير – ليس للوقوف ضد الصين، ولكن للدفاع عن السلام والأمن والكرامة الإنسانية.
ويقودنا ذلك إلى العنصر الثالث من استراتيجيتنا. فبفضل زيادة الاستثمارات في الداخل وزيادة التوافق مع الحلفاء والشركاء، نحن في وضع جيد للتغلب على الصين في المجالات الرئيسية.
على سبيل المثال، تريد بكين أن تضع نفسها في مركز الابتكار والتصنيع العالمي وزيادة اعتماد الدول الأخرى عليها تكنولوجيًا، ثم استخدام هذا الاعتماد لفرض تفضيلاتها في السياسة الخارجية. وتبذل بكين قصارى جهدها للفوز في هذه المنافسة، إذ تستفيد على سبيل المثال من انفتاح اقتصاداتنا للتجسس والقرصنة وسرقة التكنولوجيا والمعرفة لتطوير ابتكاراتها العسكرية وترسيخ دولة المراقبة الخاصة بها.
بينما نتأكد من إطلاق الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا الموجة التالية من الابتكار، سنحمي أنفسنا أيضا من الجهود المبذولة لسرقة إبداعاتنا أو تعريض أمننا للخطر.
نحن نشحذ أدواتنا لحماية قدرتنا التنافسية التكنولوجية. ويتضمن ذلك ضوابط تصدير جديدة وأقوى للتأكد من عدم وقوع ابتكاراتنا المهمة في أيدي أشخاص غير مناسبين، وتوفير حماية أكبر للبحوث الأكاديمية بغية خلق بيئة مفتوحة وآمنة وداعمة للعلم، ودفاعات إلكترونية أفضل، وأمان أقوى للبيانات الحساسة، وتدابير أكثر حدة لفحص الاستثمار للدفاع عن الشركات والبلدان ضد جهود بكين للوصول إلى التقنيات الحساسة أو البيانات أو البنية التحتية الحيوية، وتعريض سلاسل التوريد لدينا للخطر، أو الهيمنة على القطاعات الاستراتيجية الرئيسية.
نعتقد أن سعر الدخول إلى سوق الصين لا ينبغي أن يكون التضحية بقيمنا الأساسية أو مزايا تنافسية وتكنولوجية طويلة الأجل ونتوقع من مجتمع الأعمال أن يفهم ذلك. نحن نعتمد على الشركات لمتابعة النمو بمسؤولية وتقييم المخاطر بحذر والعمل معنا لحماية أمننا القومي وتعزيزه أيضا.
تمتعت الشركات الصينية لفترة طويلة بوصول أكبر بكثير إلى أسواقنا مقارنة بما تتمتع به شركاتنا في الصين. على سبيل المثال، يتمتع الأميركيون الذين يرغبون في قراءة صحيفة تشاينا ديلي أو التواصل عبر”ويتشات” WeChat بحرية فعل ذلك، ولكن نيويورك تايمز وتويتر محظوران على الصينيين، باستثناء من يعملون لدى الحكومة ويستخدمون هذه المنصات لنشر الدعاية والمعلومات المضللة. تخضع الشركات الأميركية العاملة في الصين لنقل التكنولوجيا الإجباري المنهجي، بينما تخضع الشركات الصينية في الولايات المتحدة للحماية بموجب حكم القانون لدينا. يستطيع صانعو الأفلام الصينيون تسويق أفلامهم بحرية لأصحاب دور السينما الأميركيين بدون أي رقابة من قبل الحكومة الأميركية، ولكن بكين تحد بشكل صارم من عدد الأفلام الأجنبية المسموح بها في السوق الصينية، وتخضع تلك المسموح بها لرقابة سياسية شديدة. لا تخشى الشركات الصينية في الولايات المتحدة استخدام نظامنا القانوني المحايد للدفاع عن حقوقها، وكثيرا ما تمثل أمام المحكمة دعاوى ضد الحكومة الأميركية، ولكن لا ينطبق الشيء نفسه على الشركات الأجنبية في الصين.
هذا النقص في المعاملة بالمثل غير مقبول وغير مستدام.
خذوا ما حدث في سوق الصلب مثلا. وجهت بكين استثمارات مفرطة ضخمة من قبل الشركات الصينية وأغرقت السوق العالمية بالصلب الرخيص. وعلى عكس الشركات الأميركية وغيرها من الشركات الموجهة نحو السوق، لا تحتاج الشركات الصينية إلى تحقيق ربح، فهي تحصل فقط على نسبة أخرى من الائتمان المصرفي المملوك للدولة عندما تنخفض الأموال. بالإضافة إلى ذلك، لا تقوم الشركات بالكثير للسيطرة على التلوث أو حماية حقوق عمالها، مما يقلل تكاليفها أيضا. ونتيجة لذلك، تمثل الصين اليوم أكثر من نصف إنتاج الصلب العالمي، مما دفع الشركات الأميركية والمصانع في الهند والمكسيك وإندونيسيا وأوروبا وأماكن أخرى إلى الخروج من السوق.
لقد رأينا هذا النموذج يتكرر في سوق الألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية، وهذه قطاعات رئيسية في اقتصاد القرن الحادي والعشرين ولا يمكن أن نسمح باعتمادها كليا على الصين.
لقد كلفت مثل هذه التلاعبات الاقتصادية العمال الأميركيين ملايين الوظائف، وأضرت بالعمال والشركات في البلدان حول العالم. سنقاوم السياسات والممارسات المشوهة للسوق على غرار الإعانات وحواجز الوصول إلى الأسواق التي استخدمتها الحكومة الصينية لسنوات لاكتساب ميزة تنافسية. وسنعمل على تعزيز أمان سلاسل التوريد ومرونتها من خلال إعادة توريد مواد الإنتاج أو الحصول على مواد من بلدان أخرى في قطاعات حساسة مثل الأدوية والمعادن المهمة، وذلك حتى لا نعتمد على أي مورد واحد. وسنقف مع الآخرين ضد الإكراه الاقتصادي والترهيب، ونعمل على ضمان عدم مشاركة الشركات الأميركية في التجارة التي تسهل انتهاكات حقوق الإنسان أو تستفيد منها، بما في ذلك العمل القسري.
بالمختصر المفيد، سنناضل من أجل العمال الأميركيين والصناعة الأميركية بكل الأدوات المتاحة، ونعلم أن شركاءنا سيناضلون من أجل عمالهم.
لا تريد الولايات المتحدة فصل اقتصاد الصين عن اقتصادنا أو الاقتصاد العالمي، على الرغم من أن بكين تسعى من خلال خطابها إلى الفصل غير المتكافئ وإلى جعل نفسها أقل اعتمادا على العالم والعالم أكثر اعتمادا عليها. نحن نريد التجارة والاستثمار طالما أنها عادلة ولا تعرض أمننا القومي للخطر. تمتلك الصين موارد اقتصادية هائلة، بما في ذلك قوة عاملة ذات قدرة عالية. ونحن على ثقة من أن عمالنا وشركاتنا سيتنافسون بنجاح ونرحب بهذه المنافسة على قدم المساواة.
إذا بينما نرد بمسؤولية تجاه الممارسات غير العادلة ذات الصلة بالتكنولوجيا والاقتصاد، سنعمل على الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والشعبية بين الولايات المتحدة والصين وبما يتوافق مع مصالحنا وقيمنا. قد لا تكون بكين مستعدة لتغيير سلوكها، ولكننا سنستجيب بشكل إيجابي إذا اتخذت إجراءات ملموسة لمعالجة الموضوعات المثيرة للقلق التي عبرنا عنها نحن والعديد من البلدان الأخرى.
لا ينبغي أن تؤدي المنافسة إلى الصراع، ونحن لا نسعى إليه. سنعمل على تجنبه، ولكننا سندافع عن مصالحنا ضد أي تهديد.
وتحقيقا لهذه الغاية، أصدر الرئيس بايدن تعليمات لوزارة الدفاع حتى تعتبر الصين التحدي الذي يترافق معها، من أجل أن نضمن بقاء جيشنا في المقدمة. سنسعى للحفاظ على السلام من خلال نهج جديد نسميه “الردع المتكامل” الذي يجمع الحلفاء والشركاء ويعمل عبر المجالات التقليدية والنووية والفضائية والمعلوماتية وبالاعتماد على قوتنا المعززة في الاقتصاد والتكنولوجيا والدبلوماسية.
تعمل الإدارة على تحويل استثماراتنا العسكرية بعيدا عن المنصات المصممة لصراعات القرن العشرين إلى أنظمة أطول مدى يصعب العثور عليها ويسهل تحريكها. نحن نعمل على تطوير مفاهيم جديدة لتوجيه كيفية قيامنا بالعمليات العسكرية، ونقوم بتنويع وضع قوتنا وبصمتنا العالمية وتقوية شبكاتنا والبنية التحتية المدنية الحيوية والقدرات الفضائية. وسنساعد حلفاءنا وشركاءنا في المنطقة على تعزيز قدراتها غير المتكافئة هي الأخرى.
وسنواصل معارضة أنشطة بكين العدوانية وغير القانونية في بحر الصين الجنوبي والشرقي. لقد وجدت محكمة دولية قبل حوالى ست سنوات أنه لا أساس في القانون الدولي لمزاعم بكين في بحر الصين الجنوبي. سندعم دول المنطقة الساحلية في الدفاع عن حقوقها البحرية، وسنعمل مع الحلفاء والشركاء لدعم حرية الملاحة والتحليق، والذي مكن من ازدهار المنطقة لعقود. وسنواصل الطيران والإبحار حيثما يسمح القانون الدولي بذلك.
أما في تايوان، فقد كان نهجنا ثابتا عبر العقود والإدارات. لم تتغير سياستنا على حد تعبير الرئيس. وتظل الولايات المتحدة ملتزمة بسياسة “صين واحدة” التي يسترشد بها قانون العلاقات مع تايوان والبيانات المشتركة الثلاثة والتأكيدات الستة. نحن نعارض أي تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن من أي من الجانبين. نحن لا نؤيد استقلال تايوان، ونتوقع حل الخلافات عبر المضيق بالوسائل السلمية.
ما زلنا مهتمين بالسلام والاستقرار عبر مضيق تايوان. وسنواصل الوفاء بالتزاماتنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان لمساعدة هذه الأخيرة في الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس، و”الحفاظ على قدرتنا على مقاومة أي لجوء إلى القوة أو غيره من أشكال الإكراه، الذي من شأنه أن يعرض الأمن أو النظام الاجتماعي أو الاقتصادي لتايوان للخطر” كما هو موضح في هيئة تنظيم الاتصالات. نحن نتمتع بعلاقة غير رسمية قوية مع تايوان، وهي الديمقراطية النابضة بالحياة والاقتصاد الرائد في المنطقة. وسنواصل توسيع تعاوننا معها بشأن مصالحنا وقيمنا المشتركة العديدة ودعم مشاركتها الهادفة في المجتمع الدولي وتعميق علاقاتنا الاقتصادية، بما يتفق مع سياسة “الصين الواحدة”.
لم تتغير سياستنا، ولكن تغير الإكراه المتزايد الذي تمارسه بكين، على غرار محاولتها قطع علاقات تايوان مع البلدان في مختلف أنحاء العالم ومنعها من المشاركة في المنظمات الدولية. وقد انخرطت بكين في خطاب ونشاط استفزازي بشكل متزايد، كما من خلال تحليق طائرات جيش التحرير الشعبي بالقرب من تايوان بشكل يومي تقريبا. تزعزع هذه الأقوال والأفعال الاستقرار بشدة وتخاطر بكين بحسابات خاطئة وتهدد السلام والاستقرار في مضيق تايوان. وقد رأينا من مناقشات الرئيس مع الحلفاء والشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أن الحفاظ على السلام والاستقرار عبر المضيق ليس مجرد مصلحة أميركية، بل مسألة ذات اهتمام دولي وقضية حاسمة للأمن والازدهار الإقليمي والعالمي.
وكما يحب الرئيس بايدن أن يقول، الصراع الوحيد الأسوأ من الصراع المقصود هو الصراع غير المقصود. سندير هذه العلاقات بمسؤولية لمنع حدوث ذلك. لقد أعطينا الأولوية لاتصالات الأزمات وإجراءات الحد من المخاطر مع بكين، ونظل ملتزمين بالدبلوماسية المكثفة مع المنافسة الشديدة بشأن هذه القضية وكافة القضايا الأخرى.
وحتى أثناء قيامنا بالاستثمار والتوافق والتنافس، سنعمل مع بكين حيث تجتمع مصالحنا. لا يمكن أن ندع الخلافات التي تفرقنا تمنعنا من المضي قدما في الأولويات التي تتطلب أن نعمل معا من أجل مصلحة شعبنا ولصالح العالم.
ويبدأ ذلك من المناخ. مرت الصين والولايات المتحدة بسنوات من الجمود بشأن المناخ، مما أدى إلى توقف العالم وكذلك توقف فترات التقدم، مما أدى إلى تثبيط العالم. وقد أطلقت قناة دبلوماسية المناخ التي أنشئت في العام 2013 بين الصين والولايات المتحدة العنان للزخم العالمي الذي أسفر عن اتفاقية باريس. وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ السادس والعشرين العام الماضي (COP26)، انتعشت آمال العالم عندما أصدرت الولايات المتحدة والصين إعلان غلاسكو المشترك للعمل معا لمعالجة الانبعاثات من غاز الميثان إلى الفحم.
إن المناخ لا يتعلق بالأيديولوجيا، وإنما يتعلق بالحسابات والرياضيات. بكل بساطة، لا سبيل لحل مشكلة تغير المناخ بدون قيادة الصين، وهي الدولة التي تنتج 28 بالمئة من الانبعاثات العالمية. لقد أوضحت وكالة الطاقة الدولية أنه في حال التزمت الصين بخطتها الحالية ولم تصل انبعاثاتها إلى ذروتها حتى العام 2030، سيتمكن بقية العالم من الوصول إلى الصفر بحلول العام 2035. وببساطة فإن هذا الأمر غير ممكن.
إن حوالى 20 دولة اليوم تتحمل مسؤولية 80 بالمئة من الانبعاثات، وتأتي الصين في الطليعة وتليها الولايات المتحدة. وستكون التكلفة المالية والبشرية كارثية ما لم نفعل أكثر من ذلك بكثير وأسرع بكثير. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التنافس على سياسة الطاقة النظيفة والمناخ إلى نتائج تعود بالفائدة على الجميع.
إن التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة والصين معا- بما في ذلك من خلال مجموعة العمل التي أنشأها إعلان غلاسكو- هو أمر حيوي لنجاحنا في تجنب أسوأ عواقب هذه الأزمة. وأحث الصين على الانضمام إلينا لتسريع وتيرة هذه الجهود المشتركة.
وبالمثل، مصائرنا مرتبطة في ما يتعلق بوباء كوفيد-19، وقلوبنا مع الصينيين وهم يتعاملون مع هذه الموجة الحديثة. لقد مررنا بمحنة مؤلمة جدا مع الوباء، ولهذا نحن مقتنعون تماما بضرورة عمل كافة الدول معا لتطعيم العالم، ليس مقابل امتيازات أو تنازلات سياسية، ولكن لسبب بسيط وهو أنه لن تكون أي دولة في مأمن قبل أن يصبح الجميع آمنين. ويجب على كافة الدول مشاركة البيانات والعينات للمتغيرات الجديدة ومسببات الأمراض الناشئة والمتجددة بشفافية وإتاحة الوصول إلى الخبراء بغية منع الوباء التالي حتى أثناء محاربة الوباء الحالي.
وفيما يتعلق بعدم الانتشار والحد من التسلح، يصب التمسك بالقواعد والمعايير والمعاهدات التي قللت من انتشار أسلحة الدمار الشامل في مصلحتنا جميعا. يجب على الصين والولايات المتحدة مواصلة العمل سويا ومع الدول الأخرى لمواجهة البرامج النووية لإيران وكوريا الشمالية، وما زلنا مستعدين لمناقشة مسؤوليات كل منا كقوى نووية مع بكين بشكل مباشر.
ولمواجهة المخدرات غير المشروعة والمحظورة، وبخاصة المواد الأفيونية الاصطناعية مثل الفنتانيل التي قتلت أكثر من مئة ألف أميركي العام الماضي، نريد العمل مع الصين لمنع المنظمات الدولية التي تهرب المخدرات من الحصول على المواد الكيميائية الأولية والتي ينشأ الكثير منها في الصين.
ونظرًا إلى أن أزمة الغذاء العالمية تهدد الناس في مختلف أنحاء العالم، نتطلع إلى الصين للمساعدة في الاستجابة العالمية، وهي الدولة التي حققت إنجازات عظيمة في مجال الزراعة. لقد عقدت الولايات المتحدة اجتماعا لوزراء الخارجية لتعزيز الأمن الغذائي العالمي في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، ووجهنا دعوة إلى الصين للانضمام إليه وسنواصل القيام بذلك.
ومع تعافي الاقتصاد العالمي من الدمار الذي خلفه الوباء، يعد تنسيق الاقتصاد الكلي العالمي بين الولايات المتحدة والصين أمرا أساسيا، وذلك من خلال مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي ومحافل أخرى، وعلى المستوى الثنائي أيضًا بالتأكيد، فهما أكبر اقتصادين في العالم.
باختصار، سنتعامل بشكل بناء مع الصين أينما نستطيع، ليس كخدمة لنا أو لأي شخص آخر، وليس مقابل الابتعاد عن مبادئنا، ولكن لأن العمل معًا لحل التحديات الكبيرة هو ما يتوقعه العالم من العظماء ولأن ذلك يصب في مصلحتنا مباشرة. لا ينبغي أن تعيق أي دولة التقدم في القضايا الوجودية العابرة للحدود الوطنية بسبب الخلافات الثنائية.
إن حجم ونطاق التحدي الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية يُعتبر اختبارًا للدبلوماسية الأميركية أكثر من أي شيء مضى. أنا مصمم على منح وزارة الخارجية ودبلوماسيينا الأدوات التي يحتاجون إليها لمواجهة هذا التحدي بشكل مباشر كجزء من أجندة التحديث الخاصة بي. ويشمل ذلك بناء “بيت صيني”، أي فريق متكامل على مستوى الوزارة ينسق سياستنا وينفذها عبر القضايا والمناطق ويعمل مع الكونغرس بحسب الحاجة. ويجب أن أذكر هنا فريقا متميزا في سفارتنا في بكين وقنصلياتنا في مختلف أنحاء الصين بقيادة السفير نيك بيرنز. إنهم يقومون بعمل استثنائي كل يوم، وقد أدى الكثير منهم وظائفهم في الأسابيع الأخيرة على الرغم من عمليات الإغلاق المكثفة بسبب فيروس كوفيد-19. تابعوا العمل على الرغم من الظروف القاسية ونحن ممتنون لهذا الفريق الرائع.
لم أكن يوما مقتنعا بدرجة أكبر بقوة وغاية الدبلوماسية الأميركية، أو متأكدًا من قدرتنا على مواجهة تحديات هذا العقد الحاسم. وأقول للشعب الأميركي، دعونا نعيد الالتزام بالاستثمار في نقاط قوتنا الأساسية وشعبنا وديمقراطيتنا وروح الابتكار التي نتمتع بها. ومثلما يقول الرئيس بايدن في كثير من الأحيان، إنه لا يكون رهانًا جيدًا أبدًا أن تراهن ضد الولايات المتحدة. ولكن دعونا نراهن على أنفسنا ونظفر بالمنافسة من أجل المستقبل.
وإلى البلدان في مختلف أنحاء العالم الملتزمة ببناء مستقبل مفتوح وآمن ومزدهر، لنعمل من أجل قضية مشتركة لدعم المبادئ التي تجعل تقدمنا المشترك ممكنا وكذا الدفاع عن حق كل أمة في تقرير مستقبلها. ولشعب الصين نقول، سننافس بثقة وسنتعاون حيثما نستطيع وسنتنافس حيث يجب. لا نرى أي صراع بيننا.
لا يوجد سبب يمنع دولتينا العظيمتين من التعايش السلمي والمشاركة والمساهمة في التقدم البشري معا. هذه خلاصة كلامي اليوم: ينبغي النهوض بالتقدم البشري وترك عالم أكثر سلاما وازدهارًا وحرية لأطفالنا.
شكرًا جزيلا على الاستماع.