الشراكة الأردنية الأميركية: نحو تحقيق إمكانيات الأردن الاقتصادية

أليس جي ويلز – سفيرة الولايات المتحدة الاميركية لدى المملكة الاردنية الهاشمية

النص الاصلي

سعادة الدكتور طلال أبو غزالة ،
معالي الوزراء وأعضاء الهيئة الدبلوماسية وقادة الأعمال والحضور الكرام،

إنه لشرف كبير لي أن أتوجه بخطابي لملتقى طلال أبو غزالة المعرفي.

الشراكة الحالية

لقد تعلمت خلال فترة تواجدي على مدار الأشهر العشر الماضية في بلدكم الجميل ما يعلمه الجميع في هذه القاعة وهو أن الإمكانيات الاقتصادية للأردن تكمُن في براعة وإبداع شعبه.

ولذلك فإنه من اللائق عند التحدث عن اقتصاد الأردن أن أجلس بجانب واحد من ألمع العقول الاقتصادية في الأردن وهو الدكتور طلال أبو غزالة، وأنا أعلم بأن شغفه يُعنى بأعظم القضايا وهي تنمية الرأسمال البشري في الأردن.

منذ وصولي إلى الأردن، لقد شهدت اتساع الشراكة الاقتصادية بين البلدين، بالإضافة إلى أعمق درجات الصداقة بينهما في هذه المنطقة الحساسة. وقبل أسبوعين، كنت فخورة بتطوير هذه الشراكة، حيث أشرفت مع دولة رئيس الوزارء على توقيع اتفاقية بقيمة 1.5 مليار دولار لضمان وصول الأردن إلى الأسواق الرأسمالية العالمية. وستوفر هذه الاتفاقية، مع اتفاقيتي ضمان القروض السابقتين، أكثر من 500 مليون دولار على الأردن من دفعات الفائدة خلال فترة السندات.

لم تكن التجارة بين الولايات المتحدة والأردن قوية كما هي الآن. فبدءاً بالمناطق الاقتصادية المؤهلة وصولاً إلى اتفاقية التجارة الحرة الآن، وصل إجمالي التجارة الثنائية إلى 3.4 مليار دولار في عام 2014. وكنتيجة لاتفاقية التجارة الحرة، التي كانت خلال عام 2000 الأولى من نوعها في الوطن العربي، أصبح بالإمكان إيجاد منتجات التكييف لشركة بترا للصناعات الهندسية ومنتجات الحكمة للصناعات الدوائية بالإضافة إلى المواد التجميلية والمجوهرات وعدة التخييم المصنعة في الأردن في الأسواق الأمريكية.

ومن خلال مؤسسة الاستثمار ما وراء البحار الخاصة، فقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تمويل مشاريع كبيرة وصغيرة. تتمثل المشاريع الكبيرة منها في مشروع خط ناقل مياه الديسي البالغ 325 كم، بالإضافة إلى مشاريع فردية كشركة إنتاج شوكولاتة التي بتوسّعها تخلق فرص عمل جديدة.

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بتنمية القوى العاملة الشبابية الأردنية، حيث تتلقى قطاعات التكنولوجيا النظيفة والرعاية الصحية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مساعدات من برنامج التنافسية الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مجالات البحث والتمويل وإدارة الأعمال بالإضافة إلى تقديم الكثير من الحلول المهمة الأخرى لمقدمي الخدمات المساندة التي من شانها تحويل الأفكار العظيمة إلى أعمال عظيمة.

فقد وقعت الولايات المتحدة متذكرة تفاهم لثلاثة أعوام تتعهد فيها بتقديم مساعدات تبلغ مليار دولار سنوياً لغاية عام 2017. وبحلول نهاية السنة المالية الحالية، تكون الولايات المتحدة قد قدمت 15 مليار دولار كمساعدات اقتصادية للأردن منذ نشأتها. وستُساعد مذكرة التفاهم الأخيرة على ضمان قدرة الأردن على الاستمرار في تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، بالإضافة إلى التقليل من العبء المالي الذي يسببه 630,000 لاجئ سوري مسجل في الأردن.

وكما قد شهدت خلال جولاتي في أرجاء المملكة، يستفيد الأردنيون من المساعدات الأمريكية بطرق عديدة جداً تترك أثرها على جميع الجوانب في حياتهم. حيث يُولد أكثر من 75% من المواليد في الأردن في أقسام الأمومة التي حدّثتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كما قد خُصّص نصف مليار دولار للتعليم في الأردن منذ عام 2005، الأمر الذي ساعد برامج الحكومة الأمريكية على الوصول إلى 30,000 معلم ومعلمة وأكثر من مليون طالب وطالبة أي ثلثي الطلاب في الأردن، بالإضافة إلى حصول ثلث السكان في الأردن على مياه نقية وصالحة للشرب من خلال محطات المعالجة وشبكات التزويد المُنشأة بأموال أمريكية.

عدم كفاية المساعدات والقضايات الأساسية

وتُمثّل هذه جميعها أمثلة ملموسة لالتزام الولايات المتحدة بتحقيق الاستقرار في الأردن، ونحن في الحقيقة فخورون بهذه الأمثلة التي تُمثّل رموزاً لعلاقة فريدة وخاصة كما هو واضح. وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون لهذه المساعادات هدف أكبر ألا وهو مساعدة الأردن على تطوير قدراته ليصل إلى الاستقلالية في عدم حاجته للمساعدات. وكأصدقاء حقيقيين، فإن لمساعداتنا هدفاً يؤمن به كلا الطرفين، وهو جعل الأردن أقوى وأكثر إكتفاء ذاتياً من الناحية الاقتصادية ومساعدته على استخدام ثروته من الموارد البشرية في توسيع مدى تأثيره في المنطقة والعالم.

لأكن واضحة، نحن نؤمن بتقديم المساعدات وخاصة في حالات الحاجة القصوى، إلا أن المساعدات الدولية، التي تعتبر ضرورية جداً وتنظر إليها الولايات المتحدة كأولوية، لا تتطرق إلى المسببات الجذرية للعسر الاقتصادي في الغالب. وما لم تدعم هذه المساعدات جهود إصلاحات هيكلية فإنها ببساطة تشتري الوقت فقط أملاً في حدوث التغييرات الضرورية من ذاتها. وكما قد شهدنا خلال الأزمة السورية، فإن تقديم الوعود من بعض الدول المانحة أسهل بكثير من الفعل.

لا يكمن أصل التحديات الرئيسية التي يواجهها الأردن، كما أشار إلى ذلك جلالة الملك عبد الله الثاني في وثيقة الأردن 2025، في اللاجئين أو عدم الاستقرار في المنطقة أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، بل هي التحديات ذاتها التي تواجهها كل أمة نامية، والمتمثلة في كيفية إيجاد اقتصاد مستدام وشامل داعمٍ لطموحات شعبها ومُسيَّرٍ بها.

ولكن يبدأ الجهد الساعي لتحقيق تقدّم مستدام بفرضية أساسية وهي أن العمل الصادق يُحترم وله قيمة في المجتمع. دعوني أُوضح ذلك بطرح سؤال بسيط. هل تُفضل أن تكون مهندساً عاطلاً عن العمل أم أن تكون مشغل رافعة شوكية عامل؟ قد يكون هذا السؤال صعباً وقد تكون الإجابة عليه أصعب إذا ما كنا نتحدث عن أبنائنا أو بناتنا، ولذلك دعوني أُسهّل عليكم الأمر. هل تفضّل لو أنه كان في الأردن 100,000 مهندس عاطل عن العمل أم 100,000 مشغل رافعة شوكية عامل؟

هذا ليس افتراضاً، فقد أخبرني أحد أصحاب الأعمال مؤخراً بأن لدى الأردن 118,000 مهندس مسجل ولكن 8,000 منهم مزاولون لمهنتهم فعلياً.

تُعتبر قوى العمل الأردنية قوى يافعة، كما أنها تصبح مع الوقت يافعة أكثر فأكثر. ففي كل عام، يبحث 100,000 خريج جديد عن عمل أو يسعى لإكمال دراسته، ولكن لا يوجد مواقع كافية لهم جميعاً في المجالات التي اختاروها. تمتلك هذه المنطقة أعلى معدلات البطالة بين الشباب في العالم، كما أن ثلث الشباب الأردني تقريباً لا يحصل على الفرص المناسبة بعد التخرج مباشرة.

هل من الأفضل دائماً الحصول على شهادة جامعية في حين أن مهارة فنية مطلوبة تعني الحصول على فرص عمل؟ تُخرّج الجامعات مئات الآلاف من الأردنيين الشباب من حملة الشهادات في مجالات كالهندسة والمحاسبة إلا أن فرص العمل غير متوفرة بشكل يكفي لاستيعابهم جميعاً. وفي الوقت الحالي، يرتاد عُشر الطلاب فقط مراكز التدربيب المهني للحصول على شهادات مهنية ليصبحوا كهربائيين ونجارين، الأمر الذي يُساعدهم على الحصول على وظائف بسرعة بعد تخرجهم مباشرة. تعكس الحالة الموجودة حالة الهرم مقلوب، وكما قال أحد الرواد الأردنيين مؤخراً “يرغب الجميع بأن يُصبح مهندساً ولا يرغب أحد في أن يصبح فنياً”.

وفي الوقت ذاته، ينجح العُمّال والأعمال فقط في بيئات تكون فيها قواعد الطريق واضحة ويمكن التنبؤ بها. لا ينبغي أن نخنق الأعمال الأردنية المبدعة بعوائق اصطناعية كالتعرفات. وبما أن الحرب والإرهاب قد قلل من التجارة مع الشركاء التقليديين للأردن فإن هناك فرصة لفتح المزيد من الممرات التجارية في أرجاء المنطقة. لقد تفاجأت كثيراً عند وصولي الى الأردن بأن قيمة التبادل التجاري بين الضفة الغربية وإسرائيل يصل الى 4 مليار دولار سنوياً بينما يبلغ حجم التبادل التجاري مع الأردن 100 مليون دولار فقط. وبالرغم من أن الكثير من الشاحنات الأردنية مطابقة للمعايير الإسرائيلية إلا أنه لا يمكنها عبور الحدود، كما يجد رجال الأعمال صعوبة في الحصول على التأشيرات الإسرائيلية. ومن جانب آخر، يجب تفريغ حمولة الحاويات من ميناء حيفا على منصات قبل شحنها إلى الأردن عوضاً عن نقلها في شاحنات عبر الحدود مباشرة. هذا وكلما تمتعت الأعمال الأردنية بالحرية من حيث إنشائها ونموها وتطوير شراكات إقليمية زادت سرعتها في دفع عجلة الازدهار.

وكما التعرفات، يخنق الدعم الأسواق الحرة، حيث أنه يشوّه الاختيارات الاقتصادية ويُخفي الجوانب غير الكفؤة ويستهلك الموارد التي من الممكن استخدامها في مساعدة الفقراء مباشرة. قد لا أكون مزارعة، ولكنني أعلم بأنه لا يُفترض بالماعز أكلَ الخبز. ولكن الماعز في الأردن يتناول الخبز لأنه يصبح بائتاً قبل تناوله كما أن الخبز أرخص من الرعي في الحقول. يمكن بتوجيه الدعم الغذائي بشكل صحيح للفقراء الأردنيين تخفيض قيمة فاتورة دعم الغذاء في الأردن البالغة 225 مليون دينار إلى النصف. هذا ولقد خطى الأردن خطوات شجاعة لتطبيق الإصلاحات المتعلقة بتقديم الدعم، وانا أُهنئ حكومة دولة رئيس الوزراء عبدالله النسور على جهودها للاستمرار في هذا الطريق وصولاً إلى خطة اقتصادية حرة وخالية من التحيّز.

يعتمد إيجاد الوظائف على الحصول على رأس المال واستخدام السيولة المالية التي نعلم بوجودها في الأردن. وإننا ندرك بأنه خلال السنوات القليلة الماضية قد كان من المربح أكثر للبنوك أن تُقرضَ الحكومة على أن تُقرضَ أحد رواد الأعمال. وفي حين تعمل الحكومة على الوصول لحالة توازن في موازنتها وتقليل حاجتها للاقتراض فإنه ينبغي اعتبار الأعمال الصغيرة ومتوسطة الحجم أولوية استثمارية. وبالرغم من أن المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم تشكل 95% من الأعمال المسجلة في الأردن فإنها تتلقى 10% فقط من القروض، كما أن معظم البنوك لم تنظر بعد في كيفية إعادة هيكلة ممارساتها في الإقراض لتسهيل الحصول على التمويل لهذا القطاع المهم. وهذه هي حالة أخرى للهرم المقلوب التي تسترعي منا الانتباه.

دور الولايات المتحدة في التعامل مع هذه القضايا

وكما أننا قد التزامنا بدعم الأردن من خلال المساعدات، فإن الولايات المتحدة مستمرة وستستمر كشريك مع الأردن لتخطي التحديات الاقتصادية بما فيها، بعض أكثر احتياجاته إلحاحاً، كالطاقة والمياه.

لا تُعتبر الحاجة إلى طاقة بأسعار معقولة هي العامل الوحيد الضروري لتحريك عجلة الاقتصاد الأردني، حيث أن ندرتها قد راكمت ديوناً على شركة الكهرباء الوطنية الحكومية بلغت 4.7 مليار دينار.

وبالرغم من أن خسارة الغاز المصري رخيص الثمن قد تسبّبت بأزمة مالية إلا أنها قد فتحت مجالات متنوعة واستثمارات جديدة، حيث قد وضعت شركتين أمريكيتين رئيسيتين للطاقة المتجددة خططاً للاستثمار في الأردن من خلال مشروع لتوليد الطاقة الشمسية بقوة 20 ميجا واط في معان، و مشروع آخر في إربد لتوليد 45 ميجا واط باستخدام طاقة الرياح. يُوضّح هذان المثالان على الشراكة بين القطاعين العام والخاص كيفية إمكانية مساعدة القطاع الخاص للحكومة على الاستثمار في البنى التحتية المهمة. هذا وتثق هاتين الشركتين الأمريكيتين بمستقبل الأردن كما نثق به نحن.

كما سيسمح الغاز الطبيعي المسال الذي وصل على متن السفينة العائمة إلى ميناء العقبة مؤخراً باستيراد الأردن لكميات كبيرة من المحروقات بتكلفة معقولة تزوّد 30% من الطاقة التي تحتاجها الدولة بتكلفة أقل بثلث من تكلفة الديزل. وأما العائق التالي فهو ضمان تزويد الغاز الطبيعي على المدى الطويل من حقل ليفياثان، الأمر الذي قد يُمكّن من حل أزمة الطاقة في الأردن بشكل كلي.

وبخلاف الطاقة، تُعتبر المياه مورداً لا بدائل له. ولذلك نقدّم المساعدة للأردن لإعداد حلول مائية جديدة ومبتكرة، حيث ساهمت الولايات المتحدة بأكثر من مليار دولار في قطاع المياه على مدار الأعوام العشر المنصرمة. قمت مع معالي وزير المياه والري الدكتور حازم الناصر في شهر تشرين الأول المنصرم بقص الشريط لافتتاح سد الكرك الممول من عوائد بيع القمح الذي تبرّعت به الولايات المتحدة.

وفي الزرقاء، تعمل الولايات المتحدة على إكمال برنامج مائي بقيمة 275 مليون دولار من خلال شركة تحدي الألفية، الذي من المتوقع عند إكماله في شهر كانون الأول لعام 2016 أن يستفيد من استثمارات شركة تحدي الألفية أكثر من ثلاثة ملايين مقيم في محافظتي عمان والزرقاء.

وبالمثل، نحن ندعم المرحلة الأولى من مشروع تحلية قناة البحر الميت مع البحر الأحمر “ريد ديد”، الذي سيُوفّر مصادر مائية جديدة ذات حاجة ماسّةً في العقبة وشمال الأردن، وسيُشكّل ذلك خطوة أولى في الجهود المبذولة نحو استقرار منطقة البحر الميت، الأمر الذي يُقدّم أيضاً مثالاً على قيادة الأردن لجهود بناء السلام بطريقة عميلة وواقعية على مدى طويل.كما يمكن للمنطقة الاستفادة من هذه الحلول التعاونية المبدعة في مواجهة التحديات المتعلقة بندرة الموارد والتحديات الاقتصادية.

يُعتبر الاعتماد المتبادل في المنطقة صعباً عندما يكون الوضع الأمني ضعيفاً والنزاع على الأبواب، إلا أن الأمرين متداخلان معاً، فمن غير المحتمل أن يتحسن الوضع الأمني دون تحسّن التنمية والفرص الاقتصادية للمواطنين. ويجب على الأردن أن يكون خلّاقاً في منهجيته لفتح أسواق جديدة وتعزيزها.

يمكن لأصحاب الأعمال قيادة الطريق حتى عندما يتوقف أو يتأخر الحوار بين الحكومات. فقد عقدت غرفة التجارة الأمريكية في عام 2014 اجتماعاً ناجحاً لمركز التجارة للشرق الأوسط في الأردن الذي ضمّ رجال أعمال من القطاع الخاص من عمان وتركيا والسعودية وإسرائيل و الأردن، ممن يرون إمكانية تحقيق السلام والازدهار من خلال التجارة الإقليمية. كما أقيمت الشهرَ الماضي ورشةُ عمل أخرى لمركز التجارة للشرق الأوسط ضمّت قادة الأعمال في المنطقة لإبراز ميناء العقبة كوجهة للبضائع. نحتاج أن نبقي على القطاع الخاص منخرطاً في المبادرات الإقليمية كمبادرة مركز التجارة للشرق الأوسط، فللأرباح وتوفير الوظائف صدى أعلى من السياسة.

لا يكفي لأحد الرواد أن يمتلك فكرة عظيمة بل عليه أن يترجمها الى عمل. يمتلك الأردن ثروة من الأشخاص الأذكياء الذي يمتلكون أفكاراً عظيمة، الأمرُ الذي يُسهّل عليهم إنشاء الأعمال وتمويلها. لقد أتاح أحد برامج جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات (إنتاج) الفرصة لربط الأردنيين بمسرّع الأعمال في وادي السيليكون والمسمى بـ “بلج آند بلي” الفرصة لروادٍ شبابٍ لاحتضان أعمالهم في الولايات المتحدة، حيث جمعوا ما يقارب مليون دولار من التمويل لتاريخه. كما قُمت بزيارة منصة زين للإبداع في مجمع الملك حسين للأعمال مؤخراً وهو مثال رائع على الشركات الأردنية التي تساعد رواد الأعمال على تحويل أحلامهم إلى حقيقة.

لا يمكن لأي مجمتع تحقيق إمكانياته الكاملة ما لم يضبط ويُسخّر مهارات وقدرات شعبه بنسبة مئة بالمئة. كما يعتمد كل من الاستقرار والسلام والازدهار العالمي على حماية حقوق المرأة والفتاة والارتقاء بها حول العالم.

يفوق حجم فجوة التوظيف وفقاً للنوع الاجتماعي في هذه المنطقة مثيله في معظم الاقتصادات النامية بثلاثة أضعاف. وعوضاً عن الدخول في جدال حول الحقوق في معرض هذا الحديث فإننا نحتاج إلى التفكير في هذا الموضوع من وجهة نظر نقدية. تُمثّل كل امراة أردنية لم تُتح لها الفرصة للعمل فرصة مهدورة، وربحاً ضائعاً، بالنسبة للأردن. ووفقاً لأحد التقديرات، فإنه إذا ضُيّقت فجوة النوع الاجتماعي بمقدار الثلث فقط لنما الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بمقدار تريليون دولار سنوياً أو بنسبة 6%. وإذا شاركت النساء الأردنيات في المجال الاقتصادي للدولة بالقدر نفسه كمثيلاتهن من النساء العربيات في الدول المجاورة لزاد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة خمسة إلى عشرة بالمئة.

خلال المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام، الذي حظيت بفرصة حضوره الشهر الماضي، استمعنا إلى كلمة السيد رونالد برودر وهو مطور عقاري من الولايات المتحدة الذي أسس منظمة “التعليم لغايات التوظيف” التي تُوفّر تدريباً على المدى القصير للمهارات الفنية. تستقبل منظمته الشباب والشابات العاطلين عن العمل وتُدربهم على الوظائف المطلوبة كأمين صندوق ومدخل بيانات، حيث تُدربهم على مهارات المقابلات الوظيفية، كما تعمل المنظمة مع أرباب العمل على إيجاد وظائف لهم. ومن بين 5,000 شخص درّبتهم منظمة برودر في الأردن، حصل 85% منهم على وظائف. ويعرض هذا المثال حالة تعتبر فيها جميع الأطراف فائزة.

ومن خلال مشروع ضمانات تسهيل القروض الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تُقدّم الولايات المتحدة 250 مليون دولار للبنوك المشاركة لتمويل الأعمال الصغيرة، حيث عادت أكثر من 10% من الضمانات بالفائدة على أعمال تمتلكها سيدات. وأودّ أن أُقدّر وأشكر البنوك الشريكة وهي البنك الأهلي الأردني وبنك القاهرة عمان وكابيتال بنك وبنك الاتحاد.

تُقدّم هذه البنوك قروضاً للرجال والنساء الذين يمتلكون أفكاراً رائعة كما هو الحال مع السيدة رنا العبوة. حيث تقدّم شركتها تحت مسمى “التغليف المبدع” تغليفات منتجة محلياً للمنتجات الأردنية كمواد البحر الميت المعدنية وزيت الزيتون. حضرت السيدة رنا العبوة ورشة عمل حول تمويل الحكومة الأمريكية للنساء الرائدات لتتعلم عن كيفية التواصل مع البنوك للحصول على التمويل. وتمكنت بحصولها على قرض يبلغ 50,000 دينار فقط من البنك الأهلي الأردني من شراء معدات جديدة وأنشأت خط الإنتاج الخاص بها. وقد نتج عن الـ 50,000 دينار هذه 11 وظيفة جديدة تعمل سيدات في خمس منها. ووفقاً لحساباتي، يعتبر هذا استثماراً لحوالي 4,500 دينار لإيجاد وظيفة واحدة. وهذ أمر عظيم. وبضمان الولايات المتحدة لـ 70% من القروض ضمن هذا البرنامج، آمل أن تستمر البنوك الشريكة في مراجعة المتطلبات الإضافية لتقديم قروض ميسورة وتمكين الرواد كالسيدة رنا من إيجاد وظائف جديدة وتحقيق إيرادات.

الاستنتاجات

تتناول المواضيع المذكورة في وثيقة الأردن 2025 التي أطلقتها الحكومة مؤخراً الكثير من المواضيع التي تطرقت إليها اليوم. ونحن ندعم جهود الملك عبد الله الثاني في رسم مسار جديد للأردن مجدداً. ونأمل، كشريك ثابت لهذه الأمة المعتزة بنفسها، بأن تفتح الإصلاحات الحكومية الطموحة هذه الطريق أمام القطاع الخاص لتحويل الأهداف إلى نتائج، حيث لا يمكن لطرف واحد القيام بذلك بمفرده.

وفي ضوء الفوضى في المنطقة، يُعتبر التعزيز الاقتصادي والاكتفاء الذاتي أفضل وسيلة دفاع للأردن. لقد عملت الولايات المتحدة والأردن معاً على محاربة المجموعة الإرهابية داعش على أرض المعركة، ولكن كما قال الرئيس أوباما بأن هذه الحرب ستستمر لسنوات وليس لأيام أو أشهر. تتمثل الطريقة الوحيدة لهزيمة داعش فعلياً بالنيل من فكره السام وعرض المسار الأفضل الذي تُقدّمه الدول الحديثة والمعتدلة للشباب. هذا ويضم الشرق الأوسط 350 مليون شاب وشابة ممن يبحثون عن عمل ويشقون طريقهم في الحياة. وأظهر استطلاع نُشر الأسبوع الماضي بأن أقل من 50% من الأردنيين عبّروا عن تفاؤلهم بالمستقبل الاقتصادي للأردن، الأمر الذي يجعل من شراكتنا والتركيز بشكل كبير على استقلالية الأردن الاقتصادية على المدى الطويل أمران مهمان جداً. الوقت ليس في صالحنا.

يحتاج الشباب الأردني إلى الشعور بأمل في المستقبل، الأمر الذي يعتمد على وجود استراتيجية وخطة تُوجِدان فرص عمل وتخلِقان مستقبلاً مزدهراً للشباب والشابات في الأردن على حد سواء. وعندما تُتوّج الأقوال بالأفعال، وإذا تمكنّا من النجاح في جهودنا المبذولة، ستكون شراكتنا قد حقّقت هدفها الأسمى. هذا واختتم بقولي بأننا فخورون بوقوفنا معكم في هذه الرحلة.

شكراً